بـــــر الـــــــــــوالــــين شـــــــــرعا

ال شيخ الاسلام مجتهد الزمان قاضي القضاة تقي الدين السبكي :
مسألة : الذي اراه في بر الوالدين وتحريم عقوقهما انه تجب طاعتهما في كل ما ليس بمعصية ويشتركان في هما والامام اعني الخليفة وولي الامر لقوله صلى الله عليه وسلم (اسمع واطع ما لم تؤمر بمعصية) .
ويزيد الوالدن الامام بشيء اخر وهما انهما قد يتاذيان من فعل او قول يصدر من الولد وان لم ينهياه عنه فيحرم عليه ذلك لانه يحرم عليه ما يؤذيهما بخلاف الامام .
وكذلك اذا تاذيا بترك قول او ترك فعل منه وجب عليه فعله لرضاهما وان لم يامراه به .
واذا امراه بترك سنة او مباح او بفعل مكروه فالذي اراه تفصيل :
وهو انهما ان امراه بترك سنة دائما فلا يسمع منهما لان في ذلك تغيير الشرع وتغيير الشرع حرام وليس لهما فيه غرض صحيح فهما المؤذيان انفسهما بامرهما ذلك .
وان امراه بترك سنة في بعض الاوقات فان كانت غير راتبة وجب طاعتهما وان كانت راتبة فان كانت لمصلحة لهما وجبت طاعتهما وان كانت شفقة عليه ولم يحصل لهما اذى بفعلها فالامر منهما في ذلك محمول الندب لا الايجاب فلا تجب طاعتهما فان علم من حالهما انه امر ايجاب وجبت طاعتهما .
وما في البخاري من ان امه نهته عن حضور العشاء في جماعة شفقة لم يطعها اما ان يحمل عدم الاياب لقوله (شفقة) واما ان بحمل ان المراد الدوام لما قلناه من تغيير الشرع وتغيير الشرع حرام .
واذا كان ماله او سكنه حلالا صافيا عن الشبهة وامراه ان ياكل او معهما وفيما ياكلانه او يسكنانه شبهة وجبت طاعتهما كما قاله الطرطوشي لان مخالفتهما حرام والورع ليس بواجب .
وان نهياه عن الصلاة في اول الوقت فان كان الدوام لم يسمع لهما لان فيه تغيير الشرع وان كان في وقت وجبت طاعتهما كما قاله الطرطوشي وهو دون حضور الجماعة والسنن الراتبة لانه صفة لا مستقل .
وحاصله انه يجب امتثال امرهما والانتهاء عن منهيهما ما لم تكن معصية الاطلاق وانما يكون معصية اذا كان فيه مخالفة لامر الله الواجب او لشرعه المقرر .
وفي هما والامام سواء ويزيد فيهما تحريم ما يؤذيهما باي شيء كان وان كان ملاحا وبوجوب طاعتهما وان كان ما يامران به لحظ انفسهما بخلاف الامام فانه لا بامر ما فيه مصلحة المسلمين ولا تجب طاعته في حق نفسه ولا يحرم اذاه بمباح .
والوالدان يحرم ايذاهما خينا كان الاذى او ليس بهين خلافا لمن شرط في تحريم الاذى ان يكون ليس بالهين .
فاقول : يحرم ايذاهما مطلقا الا ان يكون ايذاؤهما بما هو حق واجب لله فحق الله اولى .
ف ما قلته : لو امراه بطلاق امراته ونحوه وجبت عليه طاعتهما الذي اعتقده وارجو انه حق ان شاء الله والله اعلم .
ومن محاسن ما يروي في بر الوالدين وكنت اسمع ابي كثيرا ينشده ما ذكره ابو بكر الطرطوشي في كتاب بر الوالدين له ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ان ابي ينقص مالي وينفقه عياله فبكى الشيخ وقال : واي عيال يا رسول الله ؟ ما هن الا امه واختاه .
وانشأ يقول :
غذوتــــــــــــــك مولودا ومنتك يافعا ×× تعل بما اجــــــــــــــري عليك وتنهل
اذا ليلة ضـــــــــامتك بالسقم لم ابت ×× لسقمك الا ســــــــــــــــــاهرا اتململ
كاني انا المطــــــــــوق دونك بالـذي ×× طرقـــــــــــت به دوني فيعناي تهمل
تخاف الردى نفســـــــي عليك وانني ×× لاعلم ان الموت دين مؤجــــــــــــــل
فلما بلغت السن والغاية التــــــــــــي ×× اليها رجا ما كنت فيك اؤمـــــــــــــل
جعلت جـــــــــــــزائي غلظة وفظاظة ×× كانك انت المنعم المتفضــــــــــــــــل
وسميتني باســـــــــــــــم المفند راية ×× وفي رايــــــــك التفنيد لو كنت تعقل
تراه معدا للخــــــــــــــــــــــلاف كانه ×× برد اهل الصــــــــــــواب موكل
فليتك اذ لم ترع حـــــــــــــــق ابوتي ×× فعلت كما الجار المجاور يفعــــــــــل
فاوليتني حق الجـــــــــــوار ولم تكن ×× علي بمالي دون مالك تبخـــــــــــــل
فلولا رسول الله اعظــــــــــمت جاهة ×× لاصـــــــــــبحت مسخوطا لدي تنكل
ولكن حلمي والحياء يصــــــــــــدني ×× وجاه رسول الله اسنى واجــــــــــمل
حياتك هم ثم موتـــــــــــــــــك فجعة ×× وخيرتك مزوي وشـــــــــــــرك مقبل
فرقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (انت ومالك لابيك)" انتهى .

اللهم اغفر لوالدي وعافهم وارحمهم
مشاركة رائعة دمتم بود